.."وإنا له لحافظون"

تحارب أمريكا التطرف في العالم كله.. رغم أنها هي التي تصنعه وتعمل علي
تربيته.. تخلط واشنطن بين الإسلام والإرهاب عن عمد.. ربما تكون إدارة
الرئيس الأمريكي باراك أوباما أقل عداء للإسلام من إدارات سابقة. ولكن
الولايات المتحدة في النهاية تحمل قدراً من الكراهية والبغضاء للإسلام..
والحقيقة أن كراهية ديننا ليست نابعة عن تعصب بقدر ما هي ناشئة عن جهل..
فالأمريكيون لا يهتمون بمعرفة أي شيء خارج نطاق اهتماماتهم.. مثلاً
يستغربون من اقحام القضية الفلسطينية علي صحفهم أو يندهشون من إحصاء
الهجمات التي يقوم بها مسلمون ضد صهاينة يحتلون أرضهم.. الأمريكيون اهتموا
فقط عندما زاد قتل أبنائهم في أفغانستان والعراق وغيرهما.
والحقيقة ان
المسلمين في العالم غاضبون من واشنطن.. غاضبون لأن الدعوة التي أطلقها القس
الأمريكي جونز بحرق المصحف. لم تقابل بنفس القوة والسرعة والمبادرة التي
كان من المفروض أن تتحرك بها الإدارة الأمريكية صاحبة اليد الطولي في
ملاحقة أوجه القصور التي تلحظها في أي بقعة علي الأرض..
المسلمون في
مصر يتساءلون بصراحة. لماذا تتحدث الادارة الامريكية عن اضطهاد مزعوم
للاقباط في مصر ولا تتحدث عن جنون رجل دين مسيحي يعيش علي أراضيها! ما هو
المطلوب من الحكومات الإسلامية إذا ثار بعض مواطنيها لحرق المصحف الشريف؟!
ماذا
لو تصورنا أن رجل دين مسلما متطرفا نادي بحرق كتب سماوية أخري ردا علي
القس المسيحي؟! هل سنكون مطالبين ساعتها بالغضب والسير وراءه كما سار
متطرفون وراء القسيس جونز؟!
لماذا لم يتذكر الرئيس باراك أوباما حديثه
في جامعة القاهرة يوم 4 يونيو 2009 والذي اشار فيه إلي أن الإسلام يدعو
للتسامح واعادة الثقة بين الشرق والغرب؟!
الأغرب أن في مصر جمعيات
ومنظمات ومؤسسات تدعو للحرية والديموقراطية وتنتفض لحقوق الإنسان
والانتهاكات التي تقوم بها الشرطة للقانون ومعاملتها للمتهمين.. ومع ذلك لم
يحرك حرق المصحف شعرة واحدة في رأس هؤلاء الناشطين. ولم يصدروا بيانا
واحداً يستنكرون فيه ما حدث.
لا أستطيع أن أتقبل هذا الصمت المزري من
الأحزاب المصرية باستثناء الحزب الوطني المشغولة بالانتخابات والتي نظرت
إلي هذا الخطب الجلل نظرة عابرة.
لقد فقد كثير من الأحزاب ومعظم جمعيات
حقوق الإنسان وحركات التغيير وجماعات الشوارع وجروبات الفيس بوك مصداقيتهم
التي أصبحت في مهب الريح عندما لم تصدر عنهم ادانات قوية لأمر بالغ
الخطورة.
لا أستطيع أن أتقبل ما صدر عن قس مخبول بانه عمل فردي. ولا
يمكن تصور موقفه علي انه نابع من مباديء الحرية والديموقراطية والتعبير عن
الآراء.. جمعيات حقوق الإنسان في الدول العربية والإسلامية تهاجم النظم
والحكومات إذا ما تعرض مواطن غير مسلم فيها إلي فعل طائفي أو حادث قد تكون
له نوازع دينية أو لا تكون.. يتحركون دفاعا عن الأجنبي وينسون حقوق
المسلمين.. لا أريد القول إن هذا له علاقة بمصادر تمويل هذه الجمعيات
والمنظمات التي تآكلت مصداقيتها كثيراً.
وأجدني وقد اثارت الدعوة إلي
حرق المصحف في نفسي حزنا بالغا اسأل بصوت عالي الا نستطيع ونحن مليار و300
مليون مسلم التصدي لهذه الحملة المتطرفة ضد الإسلام من خلال اصوات عاقلة
قادرة علي مخاطبة الغرب بأسلوبه.. وفي الوقت نفسه تكون هناك مؤسسات بحثية
متقدمة تقدم روح الإسلام الحقيقي.. ليس هناك من يفسر قول النبي عليه الصلاة
والسلام: "إذا انتصرت علي عدوك فاجعل عفوك عنه تعبيرا عن شكرك علي مقدرتك
عليه".. وليس هناك من يفسر للغرب ما قاله خاتم المرسلين: "أن تعليم عشرة
اشخاص يكفي لتحرير أي اسير".. هذا هو الإسلام..
وتبقي وجهة نظر أخري من
كتاب الله العزيز الحكيم حيث يقول الله في محكم آياته: "إنا نحن نزلنا
الذكر وانا له لحافظون" صدق الله العظيم..
الله الذي حمي دينه 1431
عاما لن يهدده قس مجنون في كتابه الذي أقسم سبحانه وتعالي بالحفاظ عليه..
وهي الرسالة السماوية الوحيدة التي لا توجد نصوص مختلفة لها رغم انها لم
تدون في عصر النبي وبدأها أبوبكر رضي الله عنه عندما مات كثير من حفظة
القرآن في حروب الردة واكتملت المحاولات بمصحف عثمان.
من ثم فإني رغم
اني أري أن دعوة جونز كريهة واستفزازية وبغيضة. لكن ينبغي علي المسلمين في
مقابلها عدم المبالغة في رد الفعل حتي لا يتحول العالم لكتلة من المحارق
والدماء بسبب الانسياق وراء دعوات العنصريين والمتطرفين والمعتوهين والمرضي
النفسيين.
وعفواً فإن ابن لادن وتيري جونز وغيرهما هم نتاج مباشر
للجهل بتعاليم الأديان الصحيحة.. الإعلام عندما يركز عليهم هذا التركيز
الضخم فإنه يحولهم إلي نموذج للمسلم أو المسيحي في عيون العالم كله.. لقد
حان الوقت أن يعرف العالم الإسلام من خلال نماذج سوية وناجحة ومتسامحة. لا
أن يعرفه من خلال نماذج مشوهة.. أسوأ ما نعيشه اليوم اننا نكون أفكاراً عن
الأديان من الإعلام والصحافة والتليفزيون.. الدين أصبح مثل السياسة "فضائي"
أو "إعلامي".. لا أحد يقدم النموذج الصحيح وأعتقد انه آن الأوان لتعديل
ذلك.