بسم الله الرحمن الرحيم
(أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: من الآية90)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين من اعز الدين وخذل الكافرين والمرتدين, وعلى اله وأصحابه ومن تبعهم أصحاب الهمة خير الأمة الثابتين على الدين أجمعين
أما بعد :
فيشرفنا في المكتب الإعلامي لجيش الفاتحين أن نبدأ بفتح صفحات التاريخ المشرفة المهملة والمنسية منذ مبعث النبي عليه أفضل الصلاة وأتم السلام إلى وقتنا الحاضر, ونأخذ منه الدروس والعبر فان كانت مفرحة حمدنا الله عليها وسعينا إلى تقليدها ومحاكاتها والسعي على الثبات على مسيرة السلف رحمهم الله وان كانت غير ذلك أخذنا منها الأسباب التي جعلتها غير ذلك لنتجاوزها وتكون لنا نبراسا في ما تبقى من هذه الحياة الفانية.
ولكننا سنتخذ من التاريخ الميلادي أساسا لطي الصفحات وذلك لثبات التاريخ فيه لعدم اعتماده على القمر كما يعلم المسلم المطلع, وكذلك وللأسف الشديد فان اعتماد المسلمين اليوم على هذا التاريخ هو الطابع العام رغم وجود التاريخ الهجري من عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
و سنتدارس حلول ذكرى
المصاب في مجزرة بغداد وسقوطها بيد تيمورلنك 9-7-1401م
سقوط بغداد..حصار بغداد..مجزرة بغداد..كلها مصطلحات ليست جديدة على عاصمة الرشيد, فقد تتابع عليها الغزاة والطامعون من الشرق ومن الغرب, ولا يكاد يخلو قرن من القرون إلا ولبغداد منها حصة الأسد أما احتلالا أو محرقة أو مجزرة أو حصارا..وفي كل مرة ينخذل فيها أهل الإسلام بسبب ابتعادهم عن الإسلام وعن سيرة من سبقوهم, وانشغالهم بالفتن الداخلية وزخارف الدنيا..واليوم نستذكر مجزرة وسقوطا جديدا لعاصمة الرشيد وهذه المرة من جهة الشرق ألا وهي ( مجزرة بغداد على يد السفاح تيمورلنك)..
بعد سقوط بغداد الدامي عام 1258م وانهيار الدولة العباسية, ظلت هذه المدينة الصامدة بعيدة عن سيف الدين قطز ومن بعده, فقد تراجع التتار من دمشق فرارا من المجاهدين وظلوا في بغداد, حيث قاموا بتقسيم العراق إلى منطقتين جنوبية وعاصمتها بغداد وشمالية وعاصمتها الموصل, وقام التتار بإدارة القسمين وبمساعدة من التركمان أو من عملائهم من العراق, ولم يجد العراق من أبناءه من يحرره فظل تحت حكم التتار حتى عام 1534م حين من الله على أهل العراق بمحرريها من الخلافة العثمانية..
في الفترة المظلمة التي عاشها العراق في ظل التتار, اختلف المحتلون وتخاصموا على كعكتهم, فقام بعض المغول من أتباع تيمورلنك بالهجوم على العراق عام 1393م, وقاموا بنهب بغداد وإقامة المجازر فيها, وقام المغول الجدد بتسليم المدينة إلى المجموعات التركمانية التي عاشت متصارعة عليها حتى قدوم العصر الصفوي وسيطرته على مقاليد الحكم في العراق عام 1508 م..
ينتمي تيمورلنك إلى الأسر النبيلة في بلاد ما وراء النهر, ولما وصل حكم عرش خراسان بدأ يفكر في توسيع مملكته, وهذا الرجل السفاح هو ممن يدعي انه مسلم, وهذا دأب الأقوام من الفرس والمغول أن يرتدوا ثياب الإسلام ويتقنعوا به, وبالفعل استطاع تيمورلنك أن يهيمن على القسم الأكبر من العالم الإسلامي, فقد انتشرت قواته الضخمة في أسيا من دلهي إلى دمشق, ومن بحر ارال إلى الخليج العربي واحتل فارس وأرمينيا وأعالي الفرات ودجلة والمناطق الواقعة بين بحر قزوين إلى البحر الأسود, وفي روسيا سيطر على المناطق الممتدة بين انهار الفولجا والدون والدنبير, و قد أعلن انه سيسيطر على كل ارض مسكونة ويجعلها ملكا له وكان يردد: ( انه يجب ألا يوجد سوى سيد واحد على الأرض طالما انه لا يوجد إلا اله واحد في السماء)..
ومن الصفات التي يجب أن يأخذها قادة المسلمين من تيمورلنك هو انه كان شجاعا وعبقري حربي وماهر سياسي, وكان قبل أن يقرر أمرا يجمع المعلومات ويرسل الجواسيس ثم يصدر أوامره بعد تروي وتأني بعيدة عن العجلة وكان من الهيبة بحيث أن جنوده كانوا يطيعون أوامره أيا كانت..ولكن القائد المسلم يلجأ إلى الشورى بين أصحابه..
كما أن ما يلفت النظر في شخصية تيمورلنك السفاح انه كان يتودد إلى العلماء والصوفية منهم وبخاصة أتباع الطريقة النقشبندية, وكان يحسب للرأي العام الإسلامي ألف حساب..
لم يكن أمام قوة تيمورلنك إلا قوة الخلافة الإسلامية العثمانية والتي نشأت عقب سقوط الدولة العباسية عام 1258م, والتي توسعت حتى عصر السلطان بايزيد الأول عام 1389م الجد الثاني للسلطان محمد الثاني فاتح القسطنطينية, وكانت هناك عوامل وأسباب ساهمت في إيجاد صراع بين تيمورلنك وبايزيد الأول منها:
1- لجأ أمراء العراق الذين استولى تيمور على بلادهم إلى بايزيد لأنهم وجدوا فيه الرجل الوحيد القادر على تحرير العراق, كما لجأ إلى تيمور بعض أمراء أسيا الصغرى, وفي كلا الجانبين كان اللاجئون يحرضون من استجاروا به على شن الحرب ضد الطرف الأخر.
2- تشجيع النصارى لتيمورلنك ودفعه للقضاء على بايزيد.
3- الرسائل النارية بين الطرفين, ففي إحدى الرسائل التي بعث بها تيمور إلى بايزيد أهانه ضمنيا حين ذكره بغموض اصل أسرته, وعرض عليه العفو على اعتبار أن آل عثمان قد قدموا خدمات جليلة للإسلام, وختم تيمورلنك رسالته بصفته زعيما للترك وأراد استصغار شأن بايزيد الذي قبل التحدي وصرح بأنه سيتعقب تيمور إلى تبريز وسلطانية..
حرك تيمورلنك جيوشه الجرارة ويقال أنها بلغت أكثر من 800 ألف جندي عام 1393م, فاقتحم العراق وتوجه إلى بغداد ودخلها وقتل عشرات الألوف من المسلمين وعذب الأحياء في شوارع المدينة لانتزاع الأموال منهم, وبعد عام من احتلال بغداد, كان السلطان احمد احد قادة السلطان بايزيد الأول قد توجه إلى بغداد وضرب حصارا عليها ودخلها عنوة وقام السلطان العثماني بعمل مجزرة بأتباع تيمورلنك في شوارع بغداد..
عاد تيمورلنك إلى بغداد بنفسه هذه المرة وكان غاضبا جدا من أهل بغداد لاستقبالهم لأتباع السلطان بايزيد بالفرحة والاستبشار, فقام هذا السفاح بحصار بغداد لمدة أربعين يوم, وبعد قصف شبه يومي بالمنجنيقات والنار, اقتحمت قوات تيمورلنك المدينة يوم 27 ذي القعدة 803 هجرية, وهذه المرة أمر تيمورلنك بابادة سكان المدينة عن بكرة أبيها, فأقيمت في بغداد عدة أبراج من رؤوس القتلى بعد هدم وتدمير منازل المدينة وجوامعها, واضطر تيمورلنك إلى مغادرة بغداد بسبب رائحة الجيف وفساد الهواء من جراء تفسخ جثث مئات الآلاف من القتلى..ويقال أن هذا السفاح بنى مئة وعشرين مئذنة من جماجم المسلمين..
بعد وصول الأخبار إلى السلطان بايزيد الأول رحمه الله, خرج بجيش قوامه 120 ألف مجاهد, ولكن تيمورلنك خرج باتجاه أنقرة لإسقاط الخلافة العثمانية, فنشبت معركة دامية انتصر فيها تيمورلنك السفاح واستشهد فيها السلطان نفسه..
بعد وصول أخبار هزيمة جيش السلطان بايزيد الأول إلى بغداد, سلم أهل العراق أمرهم إلى الله تعالى, وظل أهل العراق في ذلة ومهانة ينتقلون من حاكم ظالم إلى حاكم اظلم, فمن دولة الخروف الأسود بقيادة محمد شاه إلى أسبان شاه والذي اعدم أخاه محمدا وقتل كل من كان يواليه, ثم انتقلوا إلى حكم جهان شاه الذي دمر بغداد بعد أن أكل أهلها القطط والكلاب والجيف من شدة الحصار وبعدها وضع ابنه بيربوداق عليها, وبعد أن انقلب الابن على الأب دفع أهل العراق الثمن مرة أخرى حين قام جهان شاه بقطع رؤوس جميع الذكور في المدينة وقتل ابنه, ثم انتقل العراق إلى حكم دولة الخروف الأبيض, ثم إلى إسماعيل الصفوي والذي ذبح سكان بغداد من أهل السنة, وهدم مساجدهم وذبح علمائهم, ثم انتقل العراق إلى حكم الأكراد بعد أن قام ذو الفقار بن علي الكردي بتصفية الوجود الصفوي وطلب مددا من السلطان سليمان القانوني آنذاك ولكن الأخ الأكبر لذي الفقار غدر به, وأعاد بغداد إلى أحضان الصفويين مرة أخرى والذي وصل إلى كرسي بغداد بدلا عن أخيه..
نعم..أيها الإخوة..تاريخ بغداد تاريخ دموي وتاريخ متوشح بالسواد, فلا يوجد ما نستغربه اليوم..وبعد صبر طال ثلاثة قرون..فتح الله العراق للسلطان المبارك سليمان القانوني رحمه الله عام 1534م..فدخلها فاتحا عادلا..
ولا يمكن تفسير كثرة هذه المجازر في حق أهل بغداد إلا بتفسير واحد فقط: هو أن أهل بغداد غفر الله لهم كانوا يصفقون ويتملقون لكل سلطان يكون عليهم, فيما يقوم بعضهم بتحريض سلطان أخر على سلطان بغداد, فلما تسقط بغداد يبدأ السلطان الجديد بالانتقام ممن صفق وهلل للسلطان الجديد وهكذا...
إن حال بغداد اليوم يشبه حال بغداد في الأمس, فكثير من المنتفعين والدجالين من أهلها يمجدون السلطان أو الحاكم الفلاني, ثم بعد أن يصل غيره إلى الحكم يتبدل أمرهم إليه, انه النفاق الاجتماعي والنفاق العقائدي والنفاق السياسي ولا حول ولا قوة إلا بالله..
في استذكارنا لهذه المجزرة ولهذا السقوط فيه ذكرى لجميع المسلمين في أن المسلم إن ارتضى ارتداء ثياب الذل والنفاق والتملق فان مصيره أن يخرجه الله من نفق مظلم إلى نفق اظلم منه وان يعيش حياة القتل والذبح إلى أن يستقيم أمره..
اللهم اغفر لنا ذنوبنا..ونق أعمالنا من النفاق..والسنتنا من الكذب والتملق..وأعيننا وقلوبنا من الخيانة..اللهم تجاوز عنا وارحمنا بفضلك ورحمتك انك سميع مجيب وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم

الهيئة الإعلامية
جيش الفاتحين