محور الصفات في سورة القصص




من المعلوم بداهةً أن محور الصفات الشخصية هو محور رئيس بين محاور الإنتقاء والإرتقاء بين أفراد الصف وماحوله ممن يُؤمل فيهم حمل التكاليف الدعوية وتنفيذ الوسائل الدعوية للوصول للأهداف الشرعية الواجبة والمتوجبة على أمة الإسلام بشكل عام وعلى الجماعة التى ندبت نفسها لهذا الغرض وتلك المهمة بشكل خاص.
وكما علمنا رسولنا الكريم أن الصفات هى بين التحلية والتخلية لتأكيد الصفة أو تعديلها أو تغيرها بالكلية كما هو واضح فى التوجيه النبوى حين قال "يا أشج إن فيك خصلتين يحبهما الله عز وجل ورسوله: الحلم والأناة" فقال يا رسول الله أنا تخلقتهما أو جبلني الله عليهما؟ فقال: "بل الله جبلك عليهما" قال: الحمد الله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله عز وجل ورسوله . وهذا يتطلب من ذوى الخبرة والعين الفاحصة القائمين على أمور التربية بالجماعة المسلمة أن يتبصروا بأهمية محور الصفات وبكيفية التحلية والتخلية السابقة الذكر بما يتناسب مع كل شخصية وكل طبع.
وبالرجوع إلى عنوان المقال, نجد أن محور الصفات كان الركيزة الرئيسية فى حياة سيدنا موسي فضلاً عن جميع الرسل الكرام, وهذا يتضح فى مقولة أم المؤمنين مهدئة ومدعمة لرسولنا الكريم بعد الوحى " إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتؤدي الأمانة وإن خلقك لكريم" بسند عكرمة من رواية ابن عباس.
ورجوعا للصفات مع سيدنا موسى فى سورة القصص نجد أنه كان وقافاً مع الحق والمبادئ وهو مايتضح من نصرته لمظلوم بنى إسرائيل ضد قبطى آل فرعون. ونجد ذلك فى سقياه للإمرأتين اللتان كانتا تذودان فى رحلة هروبه من مصير محتوم بأرض مصر. لذا لايقبل أن يكون بالصف أو حوله من لايتحلى بهذه الصفة التى تبني على أسس من المرؤة والشجاعة, وتجعل الجماعة المسلمة ثابتة على أصول الحق ومواقفه دون خذلانٍ أو هروب ٍ أو تباطؤٍ مخزىٍ.
وقبول النصح دون تكبرٍ أو تجبرٍ هو من أساسيات رجل الدعوة والتكاليف كما كان هو حال موسى عليه السلام مع ناصحه بالخروج لتآمر الملأ عليه. فالتكبر مع النصح هو آفة هلاكٍ لاتفيد الدعوة أو الداعية.
وكما هو الحال مع روائح الزهرة وفواحها فى محيطها العام, نجد فواح خير موسى على من حوله حتى وإن كان غريباً مطارداً , فيسرع لإعانة فتاتى الحوض ويخدمهما وأبيهما لفترة قد تُرى أنها طويلة. وهنا يجب على رجل الأحمال والتكاليف أن يتسم بنوازعه للخير وإرساله له حتى يكون مقبولاً بين الناس ووسط جمهوره وزمامه.
وسنجد أن الصراحة مع النفس ومعرفتها هو من أهم صفات الداعية الواجبة لتدارك الأخطار والأخطاء أو منع وقوعها. وهذا يتضح حين طلب سيدنا موسى العون بإرسال أخيه هارون ردءً يصدقه ويدعمه لما فيه خير الدعوة وعلوها ونصرتها.
بهذه الصفات وغيرها من الوفاء بالعهد والصدق والجرأة المحقة وتقارب مساحات القول والفعل وصبغ الفعل بحقيقته النظرية والحكمة والموعظة الحسنة مع الصبر تمكن موسى وأخيه من الوقوف فى وجه فرعون العصر والصرح والمصر حتى دحره بالحجة والبرهان قبل أن يدحره فى اليم والخذلان بفضل رب العالمين. وبتلك الصفات وغيرها يتمكن الدعاة من العلو بإيمانهم فوق فراعين العصور وطغاتها, وأن يظهروا عظمة الدين ودعوته وقوة الإسلام وعزته.
إن محور الصفات هو العمود الفقرى الذى يبنى عليه وبه محاور الدعوة الأخرى الإيمانية والأخوية والحركية, وإن كانت هذه المحاور هى المؤكدة والمدعمة والمنقحة لهذا المحور الهام والخطير.
وأخيراً وليس آخراً, فإن الهدى القرآنى هو أهم مصادر التربية عند الجماعة المسلمة, والتى تبنى عليها الشخصيات والنفسيات لتحمل المهام العظام والتكاليف الجسام للوصول إلى أستاذية للعالم تعمه بالخير والنماء والسلام. فإذا كان هذا المحور قد كان من أساسيات الإجتباء للرسل وأصحابه وحوارييه فإن رجل التربية يجب أن يضع نصب عينيه على هذا المحور وحوله ويجعله أساس - بل أصل أصيل - فى مجال التربية وتصنيفاتها.