تابعونا على Facebook
تابعونا على youtube
تابعونا على  Twitter
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

أهلا وسهلا بك إلى منتديات اسلام فيب.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.



 
آخر المواضيع
الموضوع
تاريخ ارسال المشاركة
بواسطة
تبادل أعلاني http://dmo3-oman.com
[حصري]أشنشودة حياتي كلها لله للمنشد السوري يحيى حوى
[حصري] أنشودة لبيك رسول الله ..روووووووووعة
[حصري] انسودة فتنتة روحي يا شهيد
يا ادم حافظ على مظهرك الخارجي ..
شرح التعامل مع المرأة, طريقة التعامل مع المرأة, كيف أتعامل مع المرأة, كيفية اسعاد المرأة
[مهم] مدر المنتدى انت لساتك على وعدك
ازياء شبابيه 2011
الوصايا العشره للرجال
كيف عليك ان تتصرف اذا بكت شريكة حياتك وحبك ؟
الثلاثاء أغسطس 13 2013, 04:05
الجمعة ديسمبر 21 2012, 13:26
الأحد يوليو 29 2012, 03:17
الأحد يوليو 29 2012, 03:15
الأحد يوليو 29 2012, 03:07
الأحد يوليو 29 2012, 03:03
الأحد يوليو 29 2012, 03:01
الأربعاء يونيو 27 2012, 12:24
الأربعاء يونيو 27 2012, 12:23
الأربعاء يونيو 27 2012, 12:21











شاطر|

المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق اذهب الى الأسفل
معلومات العضو
عضو Vip

medohamo15
medohamo15

عضو Vip
معلومات اضافية
الجنس : ذكر
المشاركات المشاركات : 1201
النقاط النقاط : 12717
السمعة السمعة : 0
معلومات الاتصال

المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع Empty
مُساهمةموضوع: المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع Emptyالسبت يونيو 02 2012, 16:40

المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام
دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع الفارسي
شبكة المنصور حــديــد الـعــربي

﴿ الجزء الاول ﴾
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على معلمنا وقدوتنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تعرضت أمتنا العربية إلى هجوم متواصل منذ أن اختارها الله تعالى ميزاناً للبشرية، أمة وسطاً تقف بثبات بين الإفراط والتفريط، لتكون قدوة في العبادة والسلوك والتصرف، متسلحة بعقيدة التوحيد، ممسكة بقارب النجاة إلى يوم القيامة، تنسخ كل الأدوار التي سبقت رسالتها، وتطرح بديلها الإلهي الثابت، بعدله وإنصافه وثقافته السلوكية المثلى، واستجابته لكل المستجدات واستيعابها. العقيدة التي تُعيد الإنسان إلى مسار فطرته التي خلقه الله تعالى عليها، وأمره أن لا يخرج عن محيطها أو يشذَّ عن سبيلها {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُون}(1) تضع العقل في مساره الصحيح، تمنحه القوة والقدرة على الإبداع والإنتاج المثمر والفاعل في صياغة الحياة كما أرد الله تعالى لها أن تكون.

واستمر الهجوم يتلاحق بلا هدنة أو هوادة، تجمعت في مساره كل القوى التي وجدت في العقيدة وحملة رايتها العرب خطراً داهماً على مصالح الشيطان وأتباعه ووجودهما، قوى متناقضة لا يجمع بينها جامع إلا العداء للعرب والإسلام واستشعاراَ بخطرهما معاً، فقوى الشرك والجاهلية هزمها الإسلام بالعرب أنفسهم، وأضاع على الفئات المتنفذة والمستفيدة من فكر وقيم جاهليتها مواقعها فتحفزت للثأر، واليهود درجوا على العناد والشقاق فقد سبق لهم أن قتلوا الأنبياء وحرفوا كلام الله الذي أُنزِل إليهم، مسخ الله منهم قردة ولم يرعووا ولم ينصاعوا لقول الحق وأمر الله تعالى، جاء الإسلام ليفضحهم ويكشف زيفهم وغدرهم، فشمروا عن سواعد الكيد والغدر، والنصارى فعلوا فعلهم فجعلوا لربهم شركاء وأندادا، جاء الإسلام ليفند أكاذيبهم ويظهر حقيقة عيسى بن مريم عليه السلام عبداً من عباد الله تعالى وليس إلها يعبد، فأضمروا الحقد والشرّ تارة، وأخرى أظهروه فساسوا حياتهم وفقا لمتطلباته، والمجوس كانت ديارهم أوكاراً يعبد فيها الشيطان، يُذعنون لمكره وكيده، غزاهم الإسلام فأطفأ نار مجوسيتهم وبدد الظلمات التي أغرقهم فيها هو وأتباعه، فتستروا بأعز وأجل أهله لينفذوا إلى ساحته غدراً ومكراً وصلفاً وتشويها.

هذه هي الأفعى التي تلبسها الشيطان فأخرج بجلدها أبا البشرية آدم وزوجه من نعيم الجنة ورغد عيشها إلى دنيا الشقاء والامتحان، لكنه هذه المرة صيرها برؤوس أربعة، فإذا كانت أفعى واحدة قادرة على إخراج آدم من الجنة، فإن رأساً واحداً لا يكفي الشيطان ليخرج ذرية آدم عن سبيل الجنة إلى سبيل النار والعذاب، فالسبل أضحت واضحة جلية، لا يتزحزح عنها سالكها إلا بتضافر المكر والغدر والغش والخداع والإغراء، فقد امتلك الإنسان خلال مسيرته الطويلة الشاقة وعياً وخبرةً وقدرات كافية لتقيه مكر الشيطان واحتناكه له، من خلال كم الرسالات السماوية المتعاقبة. ولهذا كانت الحاجة ملحة لإيجاد أكثر من رأس أفعوي متشيطن، ليمارس كل واحد منها دوراً قد لا يستطيع غيره تحقيقه، فالأمر تطلب المزيد من التخفي خلف أستارٍ جديدة غير مستخدمة، وسلوك سبل لم يكن قد طرقها من قبل، ليسهل على الشيطان النفاذ مجدداً لكل الساحات التي طُرِدَ منها، فكان الذي أراد، حرباً عليها من داخلها، بأدواتٍ تبدو وكأنها مألوفة لها وليست غريبة عنها، فأغلب أدواتها ووسائل تخريبها كانت ولا تزال تعتمد في ظاهرها على العقيدة الإسلامية وقيم السلوك العربية، حتى أثخنت الأمة جراحاتها فهوت على وجهها، تندب حضها العاثر، ولا تجهد نفسها في إيجاد العلاج الذي ينفي عنها أثر السموم التي أفرزتها رؤوس هذه الأفعى، ويمنحها المناعة من لدغاتها القادمة، كي تنهض من جديد وتنطلق برسالة ربها الخالدة إلى يوم الدين، نقية صافية من الانحرافات التي شوهتها وأفقدتها قدرة التأثير والانجاز. غير معتبرين من أحداث مرّت عليهم دون أن تفرز نتائج التحصين في وعيهم، رغم أن الله تعالى قد دلهم على ذلك بقوله: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُور}(2) ويقول جلَّ في علاه: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}(3)

هذا ما سنحاول التنقيب عنه والبحث فيه لاستظهاره بعد طرح ما أمكننا الله تعالى من عوالق الزمن عنه، نكشف التآمر، بأسبابه وآثاره، عوامله ومصادره، وكيف السبيل إلى الوقاية منه، مع تبيان شروط ومستلزمات معاودة النهوض والانطلاق، وإن كان هذا الموضوع من التعقيد ما يجعل أمر تحقيقه غاية الصعوبة، فالتشويه الذي طال أحداث التاريخ العربي الإسلامي كان شديداً وقاسياً، تلاحق وغطى أكثر أحداثه، وأهمها وأخطرها، فشكل بمرور الزمن الآراء الثابتة والراسخة في الوعي، وكأنها هي الحقائق الناصعة المتكاملة لتلك الأحداث، فالذين مارسوا تزوير وتشويه أحداث هذه الحقبة الهامة من التاريخ الإنساني، كانوا يملكون من الأدوات والقدرات والإصرار على مواصلة المهمة ما شكل عائقاً مُحْبِطاً لكل الذين أرادوا النهوض بمهمة استخلاص الحقائق التاريخية من بين أكوام الزيف والكذب والتزوير. فهي خطوة نطمح أن تكون على خطى روادها، حافزاً لذوي الهمم العالية كي يواصلوا مسيرتها، حتى تتطهر أحداث تاريخنا وتظهر حقائقها جلية واضحة، فتتحول من أسباب للتناحر والتفرق إلى دافع للوحدة الرصينة في العقيدة والانتساب والانتماء والولاء.

وقد وجدنا من المناسب تقسيم هذه الدراسة إلى أربعة أبواب، وكالآتي:

الباب الأول: حقائق التاريخ، ويتضمن ثلاثة فصول:
الفصل الأول: استنطاق التاريخ، الفصل الثاني: بدايات الانحراف، والفصل الثالث: جسور التاريخ.

الباب الثاني: مؤامرة التشيع الفارسي، ويتضمن خمسة فصول: الفصل الأول: الغلو والتفريط، الفصل الثاني: المؤامرة الكبرى، الفصل الثالث: من فصول المؤامرة، الفصل الرابع: ثورة الحسين وحقيقة التشيع، الفصل الخامس: محبة آل البيت وأكاذيب الفرس.

الباب الثالث: أخطاء تاريخية عززت من وجود التشيع الفارسي، ويتضمن خمسة فصول: الفصل الأول: أدوار الأمويين والهاشميين في إنماء التشيع الفارسي، الفصل الثاني: دور العثمانيين في إنجاح الغزو الصفوي للعراق، الفصل الثالث: التهلكة الفارسية، الفصل الرابع: الأساليب الفارسية في التوغل، الفصل الخامس: من نتائج حلف المجوس واليهود.

الباب الرابع: الرسالة الخالدة، ويتضمن فصلين، الفصل الأول: خصوصية التكليف، الفصل الثاني: من شروط النهوض الحضاري.

نسأله تعالى فيها التوفيق والسداد، إنه نعم المولى ونعم النصير.
سورة الروم، الآيات: 30-32.
سورة الحج، الآية: 46.
سورة غافر، الآية: 21.
المؤلف
1430هـ 2009م

الباب الأول
حقائق التاريخ
الفصل الأول
استنطاق التاريخ
تواجه الأمة واقعا مريراً مزرياً، لكنها غير قادرة على تغييره، فأسباب انحطاطها التي صيرتها بصورتها المأساوية، كما ترويها وثائق التاريخ، لا زالت هي الأعذار التي تدفع بها للمكوث في أجواء ذلها وهوانها، وتفرض عليها فرقتها وتمزقها، والأسباب هذه التي يحتضنها التاريخ، لا يتغير فيها شيء، اعتماداً على القناعة التي تفيد بأنها حقائق التاريخ. فهل هي حقاً حقائق التاريخ التي لا يغلفها الباطل ويربض بين صفحاتها، ولا يشوهها الدس والتزوير، ولا تحرفها نوايا السوء عن أصلها، أم هي غير ذلك؟

المنطق يقول أن أمة نهضت في القرن السابع الميلادي من واقع أكثر بؤساً وتخلفاً من واقعها الذي تعيشه اليوم، فقدمت للبشرية حضارة كانت ولا زالت مثار إعجاب الدنيا وتقدير المنصفين من كل الأمم والأقوام، لا يمكن أن تكون الأسباب الهامشية التي سطرتها الأقلام على أوراق التاريخ هي التي أذهبت حضارتها وعادت بها إلى حيث كانت من قبل، وهذا يعني أن هناك أسباب وعوامل داخلية وخارجية متداخلة توحدت على أهدافها وتآزرت فيما بينها لتطيح بالأمة وحضارتها، فهل المؤامرة هذه حقيقة واقعة طمست معالمها عمليات التزوير الواسعة لحقائق التاريخ، أم هي مجرد وهم يعلق عليه العرب نتائج وهنهم وعجزهم؟

ذلك ما سنحاول استنطاق التاريخ عن حقائقه، من خلال إخضاع أحداثه ووثائقه لمنطق التنقيب والتقصي عن أسس دثرها التزوير والتشويه وإحالة الأسباب لغير مسبباتها، بحسن أو سوء نية، فالحق أحق أن يظهر ويشار إليه أياً كانت نتائجه، فالذي فارق سبيلاً سوياً هُديَ إليه لا يُعيده إليه إلا معرفته بالخطأ الذي اقترفه وأسبابه ونتائجه، وامتلاك الإرادة والقدرة على تجاوزه بعد إصلاح شأنه وتغيير مساره، كي لا يشتط مرة أخرى ويسلك سبيلا غيره في أول منعطف يصادفه، فالمتربصين لا تغمض لهم أعين، ولا ينتابهم اليأس حتى يعيدوهم إلى حيث كانوا، وإلى حيث يقفون هم، فالله تعالى يقول: { مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(1).

كل هذا سنحاول مناقشة حقائقه التاريخية وأسبابه ومبرراته، وحجم المؤامرة التي دام فعلها قرون طويلة من الزمن حتى أتت بعض أُكُلَها، والآثار التي تراكمت في واقع الأمة من جرائها، عسى أن تضيء السبيل لمن طفح به كيل الذلّ والهوان وأراد أن يفيق من سباته الطويل ووجد في نفسه العزم والهمة.

نحاول قراءة التاريخ وأحداثه قراءة جديدة تعتمد البصيرة لا البصر، فالتاريخ كان أحد أهم الأهداف المباشرة في مسار المؤامرة لتشويهه وتزوير الكثير من أحداثه وطمس حقائقها، مما سهل عليهم رسم تلك الصورة القبيحة عن العرب المسلمين الذين كانوا رواد أعظم الحضارات في التاريخ على الإطلاق. ونفي التزوير عنه سيسهل علينا الإجابة عن أسئلة طالما حيرت الكثير وأوقعتهم في شراك المؤامرة دون وعي منهم أو إرادة، وأعجزت آخرين عن قدرة الفعل الحضاري الأصيل، فلم يسلم من الدسّ والتزوير شيء من أحداث التاريخ، حتى التي سبقت الإسلام، وهذا مثلٌ منها. ينقل الطبري، وهو من أجلّ المؤرخين وأعلاهم منزلة في تاريخه "تاريخ الرسل والملوك" دسائس تنمّ عن قدرة كبيرة في استغلال أحداث تاريخية لتشويه صورة العرب، دون أن يتمكن هو وغيره من كشف زيفها وأهداف وضعها، فيسطِّر عن الحاضرة العربية التي نشأت على أرض العراق في الحضر وملكها الضيَّزْن بن معاوية ابن العبيد بن الأجرام، وهو عربي من قضاعة، كما يروي عن هشام بن الكلبي، حين حاصر حصنها الملك الفارسي سابور بن اردشير أربع سنين لا يقدر على هدمه أو الوصول إلى الضيزن، "ثم إنّ ابنة للضَّيْزن يقال لها النَّضيرة عَرَكت فأُخْرِجت إلى رَبَض المدينة، وكانت من أجمل نساء زمانها - وكذلك كان يُفعل بالنساء إذا هنّ عَرَكْن- وكان سابور من أجمل أهل زمانه – فيما قيل – فرأى كلّ واحد منهما صاحبه، فعشقته وعشقها، فأرسلت إليه: ما تجعل لي إن دللتك على ما تهدم به سور هذه المدينة وتقتل أبي؟ قال: حكمك وأرفعك على نسائي، وأخصك بنفسي دونهنّ. قالت: عليك بحمامة ورقاء مطوقة، فاكتب في رجلها بحيض جارية بكر زرقاء، ثم أرسلها، فإنها تقع على حائط المدينة؛ فتتداعى المدينة. وكان ذلك طِلَّسْمِ المدينة لا يهدمها إلاّ هذا، ففعل وتأهّب لهم، وقالت: أنا أسقي الحرس الخمر، فإذا صُرِعوا فاقتلهم، وادخل المدينة. ففعل وتداعت المدينة، ففتحها عنوة، وقتل الضَّيْزَن يومئذ، وأبيدت أفناء قضاعة الذين كانوا مع الضَّيْزن، فلم يبق منهم باقٍ يُعرف إلى اليوم، وأصيبت قبائل من بني حُلْوان؛ فانقرضوا ودَرَجوا... وأخرب سابور المدينة، واحتمل النَّضيرة ابنة الضَّيْزن، فأعرس بها بعين التَّمر، فذكر أنها لم تزل ليلتها تَضوَّر من خشونة فرشها، وهي من حرير محشوة بالقزّ فالتُمس ما كان يؤذيها، فإذا ورقة آس ملتزقة بعُكنة من عُكَنِها قد أثّرت فيها. قال: وكان يُنظر إلى مُخّها من لين بشرتها – فقال لها سابور: ويحك بأيّ شىء كان يغذوك أبوك؟ قالت: بالزُّبْد والمخّ وشهد الأبكار من النحل وصفو الخمر. قال: وأبيك لأنا أحدثُ عهداً بك، وآثر لك من أبيك الذي غذاك بما تذكرين. فأمر رجلاً فركب فرساً جموحاً، ثم عصب غدائرها بذنبه، ثم استركضها فقطّعها قطعاً"(2)

فاستسلم هو وغيره من المؤرخين للتزوير واتخذوه كحقائق تاريخية، على الرغم من أنّ الصيغ التي صُورت بها الأحداث بكل تفاصيلها تؤكد أنها أكاذيب لا يستسيغها العقل السوي، فالحصن مشيد – وفقاً للرواية المزورة – على أسس وهمية اسطورية لا يمكن لها أن تتحقق على أرض الواقع، فكيف يمكن لحصن أعجز جيوشاً جرارة أن تهدمه حمامة بحيض جارية؟ إن هذا لا يستجيب له العقل السوي مطلقاً، وليس فيه أية خصائص فيزيائية أو كيميائية يمكن أن تحدثها حمامة تحطّ على حصن وتمنحها قدرة على فعل، وإن كان أدنى من هذا بكثير، فهذه القصة الخيالية كانت خرافة ووسيلة لتمرير غاية معروفة، ثم كيف يمكن نبذ إبنة ملك إلى خارج الحصن وإن مرضت، وهي كانت في موقع من أبيها ما لا يمكن تخيل إمكانية تخليه عنها لأي سبب مهما كان، ناهيك عن المرض، فهو مدعاة لكي يقربها منه أكثر من حالها وهي معافاة، فنوعية الغذاء الذي كان أبيها الملك يختصها به كما أوردته الرواية يؤكد بما لا يقبل الشك أن الضيزن لا يمكن أن يسمح بطرح مدللته هذه خارج الحصن وهو محاصر من قبل جيوش الأعداء، ثم كيف لقصة حب متوحشة كالتي سطرتها وثائق التاريخ هذه أن تنشأ في ظل الخوف والرعب والتهديد؟ وهل يمكن لجمال مصدر الخوف والرعب أن يكون دافعاً كافياً لحبٍ كهذا، تضحي فيه إبنة الملك بأبيها وتدليله المفرط لها وملكه وكل ما يحيط بها؟ وهي لا تملك من أسباب الانتقام شيئاً، لأنها ليست مضطهدة أو معذبة أو تبحث عن تحقيق طموحات، فالغذاء الذي يطعمها أبيها الملك إياه – كما تقول الرواية نفسها - دليل قاطع على مكانتها المميزة في قلب أبيها الملك نفسه، فما بالك بالآخرين. وقد كان القول بأنّ مخها يُرى من خلف بشرتها فيه الكفاية لكي يدحض الرواية من أساسها، لأن المخ، كما هو معلوم حتى في ذلك الوقت، لا يقع خلف جلد كي يُرى عند رقّته، بل هو محاط بجمجمة عظمية، والعظم لا يمكن أن يكون شفافاً لينفذ البصر فيشاهَد ما هو خلفه، وإن كان القصد أن تُرى الأنسجة اللحمية من خلال الجلد، فهي ليست دليلاَ على الجمال بل هي تشوه يمسخ شكل صاحبة، وإن كان هو الآخر غير قابل للتحقق، فللجلد طبقات خلقها الله تعالى بإبداعٍ عظيم.
لكن الهدف كان واضحاً من كل تفاصيل القصة الملفقة، أنه السعي الشعوبي لتشويه صورة العربي ومسخها، من خلال وصمه بالغدر وبأقرب الناس إليه ونكران الجميل مهما كان حجمه ونوعه، ومحاولة إفراغه من كل قيمه الأصيلة التي كانت ولا زالت تشكل جوهر كيانه الاجتماعي وخصائصه، وهذا الاستهداف واضحٌ وجليّ، عززه رواة الدسّ والتشويه في روايات أخرى كثيرة، تحاول في كل مرة الحط من العربي، فيما ترسم مقابلها صورة أخرى مختلفة كلياً للفرس المجوس، فسابور بن أردشير الملك الفارسي هو الذي ينتقم لعدوه الضَّيزن من غدر ابنته وإنكارها لفضله عليها، للإيهام أن الفرس ليسوا كالعرب، والحق عندهم يعلو على كلّ اعتبار.

وهذه رواية عن حادثة أخرى تنهج ذات النهج الشعوبي في الرواية السابقة وتعززها، على أمل ترسيخها في الوعي العربي وجعلها وكأنها حقائق ثابتة، فقد أورد رواة التاريخ زيفاً واضحاً لا يحتاج إلى كثير عناء كي تدرك غاياته، حين نقلوا أن تُبَّع ملك اليمن العربي وجَّه ابن أخيه شَمِر ذا الجناح إلى سمرقند فحاصر حصنها ولم يتمكن من فتحها، فاستقصى الأخبار من رجل أخذه من أهلها،فأعلمه أن ابنة الملك هي التي تقوم بأمر المملكة وتدبر شؤونها " فبعث معه بهديّة إليها، فقال له: أخبرها أنّي إنما جئتُ من أرض العرب للذي بلغني من عقلها لتُنْكِحَني نفسها؛ فأصيب منها غلاماً يملك العجم والعرب، واني لم أجئ ألتمس المال، وأنّ معي أربعة آلاف تابوت من ذهب وفضة ها هنا، فأنا أدفعها إليها، وأمضي إلى الصين، فإن كانت الأرض لي كانت امرأتي، وإن هلكت كان ذلك المال لها، فلما أنهيت إليها رسالته قالت: قد أجبته فليبعث بما ذكر، فأرسل إليها أربعة آلاف تابوت، في كلّ تابوت رجلان، فكان لسمرقند أربعة أبواب على كل بابٍ منها أربعة آلاف رجل، وجعل العلامة بينه وبينهم أن يضرب لهم بالجُلجُل. وتقدَّم في ذلك إلى رُسُله الذين وَجَّه معهم، فلما صاروا في المدينة ضرب لهم بالجلجل فخرجوا، فأخذوا بالأبواب، ونهِد شمِر في الناس؛ فدخل المدينة فقتل أهلها وحوى ما فيها" (3) وهكذا تعززت الصورة المشوهة السابقة، وتعمقت معانيها، فالعرب غادرون لا يؤتمن جانبهم، على العكس تماماً من الفرس، مع إن الثابت عن العرب حتى في جاهليتهم وشركهم كانوا يمتازون عن كل الأقوام والأمم باعتدادهم بالفروسية وتمسكهم بخلقها وأعرافها، ولم يتمكن كثير منهم من تجاوزها بعد إسلامه بصيغتها العصبية، والفروسية هذه كانت تتقاطع كلياً مع كل أساليب الغدر حتى في المعارك.

ثم يأتي المؤرخ الكبير ابن خلدون 1332-1406م، وهو ممن اكتوى بنار الدسائس التي حشرها أصحاب الأغراض في وثائق التاريخ ليشوهوا الكثير من حقائقه، محاولا النهوض بمهمة تنقية أصوله، بعد أن أشار إلى أسباب تشوهها، فيقول: "وإن فحول المؤرخين في الإسلام قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها، وسطروها في صفحات الدفاتر وأودعوها، وخلطها المتطفلون بدسائس من الباطل وهموا فيها وابتدعوها، وزخارف من الروايات المضعفة لفقوها ووضعوها، واقتفى تلك الآثار الكثير ممن بعدهم واتبعوها، وأدوها إلينا كما سمعوها، ولم يلاحظوا أسباب الوقائع والأحوال ولم يراعوها، ولا رفضوا ترهات الأحاديث ولا دفعوها، فالتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والغلط والوهم نسيب للأخبار وخليل"(4)

مع كل هذا تجده يكيل المديح الطويل المبالغ فيه حد التقديس لولي الأمر الذي أودعه مؤلفه ذاك، فكيف له مع هذا الحال أن يتسقط الأخطاء وهو يكيل كل هذا المديح، وولي الأمر هذا ليس معصوماً من الأخطاء، ولا يمكن للعمل أن يسلم من الأخطاء، فالكمال لله تعالى وحده، فهو يختم مديحه الطويل بالقول"...أمير المؤمنين أبي فارس عبد العزيز ابن مولانا السلطان المعظم الشهير الشهيد أبي سالم إبراهيم ابن مولانا السلطان المقدس أمير المؤمنين، أبي الحسن ابن السادة الأعلام من ملوك بني مُرَيْن"(5)

ثم يبين لنا حاجة التاريخ إلى علاجٍ لما يعتريه من وهن في القدرة على تجسيد الحقائق التاريخية كاملة، فيقول: "فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلات والمغالط لأن الأخبار إذا أعتمد فيها على مجرد النقل ولم تُحكم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها"(6)

فيصحح معلومات أوردها المؤرخ المسعودي حين ادعى إن جيش موسى عليه السلام عندما عبر البحر ببني إسرائيل كانوا ستمائة ألف مقاتل، على أنه رقم مبالغ فيه كثيراً، ولا تقره وقائع التاريخ لتلك الحقبة الزمنية كما لا يقره المنطق السليم، وهذه قراءة مبصرة لوثائق التاريخ، ومحاولة لتصحيحها، لكنه في ذات الوقت يوهم التاريخ برأي هو أبعد أثراً في تشويه حقائق التاريخ حين يعتقد أن نبوخذنصر الملك البابلي كان مرزباناً يعمل تحت إمرة الدولة الفارسية الإخمينية، فيقول: "ولقد كان ملك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل بكثير يشهد لذلك ما كان من غلب بختنصر لهم والتهامه بلادهم واستيلائه على أمرهم وتخريب بيت المقدس قاعدة ملتهم وسلطانهم وهو من بعض عمال مملكة فارس يقال إنه كان مرزبان المغرب من تخومها وكانت ممالكهم بالعراقيين وخراسان وما وراء النهر والأبواب"(7)

مع إن المملكة الأشورية التي قادها 117 ملك خلال الفترة بين عامي 1245-606 ق.م لم تكن تابعة في يوم من أيامها لدولة الفرس بل كانت تحكم الشرق بأكمله، فقد كانت أشور " مهد عنصر عظيم خلف علامة لا تمحى في التاريخ، ونجح بوسائل ذات عنف هائل في أن يوطد الحكم الأشوري في الشرق الأوسط كله...لقد تم تأشير حدودها النائية في اتجاهات مختلفة بالخليج العربي وعيلام في الشرق، وبجبال أرمينيا في الشمال، وبالبحر الأبيض المتوسط وقبرص، في الغرب، وبالجزيرة العربية ومصر حتى طيبة في الجنوب"(Cool والسبي الأول كان عام 722 ق.م خلال حكم هذه المملكة، فيما كان السبي الثاني عام 586 ق.م من قبل الملك البابلي نبوخذنصر، وهو لم يكن تابعا لمملكة فارس ومرزبانا لهم كما توهم ابن خلدون، فنظام المرزبانيات قد أوجده الملك الاخميني دارا الذي حكم بين 531-485 ق.م بعد وفاة نبوخذنصر بحوالي نصف القرن من الزمن، كما إن نبوخذنصر كان قد تحالف مع حلف قبلي قادم من الشرق" الماذيين" ولم يكن تابعا لهم على الإطلاق، بل كان حلفا سياسياً، ولغرض" تعزيز تحالفه مع الماذيين تزوج هذا الملك من اميتيس ابنة استياكيس"(9) ولقد كان سقوط بابل وملكها يومئذ نبونيد في 29/10/539 ق.م على يد كورش الاخميني الفارسي بمعونة يهود السبي البابلي والكوتيين بقيادة غوبرياس، ولولا هذه الخيانة والتآمر من الداخل بسبب هؤلاء الأغراب لما تمكن كورش من اجتياح بابل، فقد كانت محاطة بسورين؛ الخارجي يبلغ طوله زهاء اثني عشر ميلاً، يستخدم لإيواء سكان القرى المحيطة ببابل حين التعرض لعدوان، فيما كان السور الداخلي يحيط بالمدينة.

ثم إنه سلك طرقاً وعرة لإثبات أن عدد أتباع موسى عليه السلام كان مبالغاً فيه، مع إن الاسكندر المقدوني الذي اجتاح الشرق بأكمله وبسط سيطرته عليه خلال عشر سنوات بجيش لا يتجاوز تعداده 35 ألف رجل، مع إن زمنه متأخر كثيراً عن زمن موسى عليه السلام، وتزايدت أعداد السكان وتضاعفت عما كانت عليه.

ولعلنا نشير هنا إلى جهودٍ معاصرة نهض بها العديد من علماء التاريخ لكشف الزيف الذي أُلْصِقَ بحقائق تاريخية كثيرة، والتي لم تكن كافية حتى يومنا هذا ليتحقق من درس التاريخ ما هو أَهلٌ له، ليسهم بمعالجة أمراض الأمة وامتلاكها لأسباب نهضتها مجدداً، وإن كان بعضهم قد وضع قراء التاريخ في محاولاتهم لتنقية أصوله في متاهات جديدة دون قصد منهم، فهذا احمد أمين الأديب الذي حشر نفسه في شأن التاريخ الشائك، ليخرج لنا بآراء أضافت للتاريخ متاعب فوق متاعبه، حين سطر بكتابيه "ضحى الإسلام" و"هارون الرشيد" أن الخليفة العباسي هارون الرشيد كان مصابا بازدواجية الشخصية، لأن التزوير الشعوبي قد انطلى عليه، فقال: انه وإن كان يحج عاما ويغزي عاما، وان كان عابدا ناسكا يصلي في كل يوم مائة ركعة نافلة، وان كان قد وطد أركان الدولة العربية الإسلامية، وأوصلها إلى ذروة سنام مجدها وعزها، فانه كان يهيم بالجمال ومجالس الطرب وشرب الخمور.

مع انه ليس بمؤرخ، وهو نفسه مصاب بازدواجية في شخصيته وفكره، نتيجة الخلفية الثقافية المتناقضة، والتي تشكل منها وعيه، فهو كان يختزن أساسه الديني الذي تلقاه في أروقة الأزهر في القاهرة، في الوقت الذي صاغ له الغرب وعياً استشراقياً يلبي الغايات الصليبية بأساليب تتخذ من الحضارة والتحرر والتقدم العلمي ستاراً وقناعا.

فإنه يجهل أو يتجاهل حقائق تاريخية لا غبار عليها، ومنها الهجوم الشعوبي الفارسي على الأمة العربية منذ سقوط ملكهم على أيديهم وحتى يومنا هذا، تجرؤوا خلالها على العقيدة الإسلامية بالتزوير والتشويه، حتى قالوا بتحريف القرآن الكريم، وهو مصدر العقيدة الأول. فهل يعتقد احمد أمين أن هارون الرشيد أجلّ من العقيدة الإسلامية، التي بفضلها انطوت صفحة الأكاسرة وذهب ملك الفرس، ودانت رقابهم للحكم العربي الإسلامي، كي يستبعد أن يكون الفرس الشعوبيين قد استهدفوه ولم يتورعوا عن الكذب عليه وتلفيق الأحداث المزورة عنه، من أجل تشويه صورته؟

ألم يقرأ احمد أمين وهو الأديب العارف بمعاني الشعر والمختص به، بيت شعر أبي نؤاس القائل:
قد كنتُ خِفتُكَ ثمَ أمنتني مما ان أخافك خوفك الله
وهو البيت الذي تمنى أبو العتاهية لو كان هو قائله أمام الخليفة هارون الرشيد، ففيه النفي لما صدَّق هو وغيره من أكاذيب الفرس ودسهم على تاريخنا العربي الإسلامي.

وهذا القصور في الوعي والبصيرة هو الذي دعاه لأن يقول أن نكبة البرامكة كانت نقطة سوداء في تاريخ الرشيد فقد زلزلت الشرق والغرب، لأنه غدر بهم بلا ذنب أو سبب، ولأنهم كانوا يحسنون معاملة الرعية ويتولون كل شؤونهم. فهو لا يستوعب قدرة الفرس على المكر والخداع والتضليل، كي يكتشف بيسر الكم الهائل من التزوير والافتراءات التي أقحموها في صفحات التاريخ، وتلقفها المغفلون من العرب فدونوها ونشروها وأذاعوها على أساس أنها حقائق تاريخية، ولم يعرضها أحد منهم على العقل والمنطق ليكتشف زيفها وبطلانها.
إن مما يؤكد حقيقة أهداف التزوير لحقائق التاريخ، أن الصليبيين كانوا سباقين لترجمة هذه الأكاذيب دون غيرها والترويج لها بكل الوسائل والسبل، فقد شهد القرن الثامن عشر بدايات محمومة في الدول الأوربية لترجمة ونشر كل ما يسيء للعرب وعقيدتهم الإسلامية، فنشروا أكاذيب الفرس التي أسموها "ألف ليلة وليلة" وألصقوا بها اسم الخليفة العباسي هارون الرشيد كأحد أهم أبطال قصصها الخيالية الكاذبة بفجورها ومجونها مرات عديدة، وحتى يومنا هذا يعاد طبعها، مع إنها قصص مترجمة للعربية عن أصل فارسي اسمها"الهزار افسان" ومعناه الألف خرافة، وهي مزيج من الخرافات والأساطير الفارسية والهندية، ولغتها ركيكة لا تنتمي للغة العربية في أشد عصورها تراجعاً، إنما هي إحدى وسائل الانتقام من العرب وهارون الرشيد لأنه أفشل مؤامرة البرامكة الفرس في سعيهم لاستعادة إمبراطوريتهم الساسانية، المرتبطة بالمانوية والمزدكية والزرادشتية، كما فعلوا مع غيرها من المؤلفات التي تنال من العرب وعقيدتهم، مثل فرية "العباسة أخت الرشيد" والقصص الفاضحة والأشعار الماجنة المنسوبة لأبي نؤاس.

فهل يعقل من رجل ترك الأدب وحشر أنفه في وثائق التاريخ أن يعجز عن إيراد سبب لنكبة الرشيد للفرس البرامكة. أما كان في شعر الأصمعي ملمس دليل لسبب واحد لنكبتهم، حين يقول:
إذا ذُكر الشرك في مجلسٍ أنارت وجـــــوه بني برمك
وإن تليت عنـــــــدهم آية أتو بالأحاديث عن مزدك

ألم يكن المجوسي الفضل بن سهل، الذي قوض كيان الدولة العربية الإسلامية وكاد يقضي عليها في قيادته وإدارته لفتنة المأمون والأمين حال وفاة هارون الرشيد، وضمن بعد ذلك استقلال بلاد فارس عن الدولة العربية بما يسره للطاهر بن الحسين، وهو من صنائع البرامكة، فجعفر البرمكي هو الذي انتخبه واختاره وعينه ليكون كاتباً ومساعداً للمأمون قبل أن ينكبه الرشيد؟

ولا يُفهم من قولنا أنّا ندعي العصمة للخليفة هارون الرشيد من الأخطاء، لكن الأخطاء التي ارتكبها لم تكن هي التي زورها رواد الشعوبية، ثم حشروها في وعي العرب وغيرهم على أنها حقائق، فالخطأ الأكبر الذي ارتكبه الرشيد وسائر خلفاء بني العباس ارتكز أصلاً على موقفهم غير الصائب في اعتمادهم على الفرس ومن بعدهم على الأتراك والخصيان والغلمان في إدارة شؤون دولتهم، فسهلوا عليهم العبث فيها وحرفها عن مساراتها الصائبة، وتحويلها من خلافة إسلامية تستند إلى عقيدة التوحيد والعدل والإحسان إلى ملك عضود، تتخذ كل الأشياء شرعيتها من متطلبات هذا الملك وضروراته، لا من العقيدة - التي كانت السبب في وجوده - ومنهجها، فالله تعالى لم يختر الفرس ولا غيرهم لحمل راية الرسالة وتبليغها، بل اختص بها العرب، بعد أن تأهلوا لحملها.
لكن لم يكن مطلوباً من العرب حكم الأقوام الأخرى وإخضاعها لإرادتهم السياسية، إنما كان مفروضاً عليهم تبليغ الرسالة وإيصالها إلى الشعوب ودعوتها إليها، فالهدف لم يكن الاستحواذ على ممالك الفرس وغيرهم، إنما كان نشر الإسلام كعقيدة وتطبيق شريعته عليها، لكن أطماع الدنيا هي التي دعت العباسيين كما دعت من قبلهم الأمويين إلى التمسك بحكم تلك البلدان بعد التبليغ وإيصال الرسالة إلى شعوبها، وإشعارها بأن ملكها قد سُلب منها، فزعزعوا فضلهم بالنور والعدل الذي نقلوه إليهم بأطماع الحكم ومغانمه، وجعلوا من ذلك سبباً كافياً لأن تتصارع في دواخلهم الإرادة بالاستقلال وعدم الرضوخ لقومٍ آخرين، أياً كان شكلهم، مع العدل والتوحيد وطوق النجاة الذي جلبوه عليهم.

ثم جاء بعده بردح من الزمن الدكتور حسين مؤنس ببحوثٍ جدية وجريئة تضمنها كتابه "تنقية أصول التاريخ الإسلامي" كانت هناك العديد من القراءات المبصرة لحقائق تاريخية شوهها وزوَّر وقائعها أعداء الأمة تحقيقاً لأهدافهم، لكنها في ذات الوقت تضمنت عدداً من الهنات التي زادت على ضبابية بعض الحقائق التاريخية ضباباً كثيفا، وأخرجتها من متاهة ونقلتها إلى متاهة أخرى استحكمت ألغازها، ففي بحثه للعصر العباسي الأول يرى أن فتنة الأمين والمأمون هي التي عززت مواقع الفرس وسطوتهم على الدولة العربية الإسلامية، وذلك حق لكنه أوهم الحقيقة هذه حينما اعتقد أن سببها هو نكبة هارون الرشيد للبرامكة ففتح الطريق للمتعصبين لقوميتهم من الفرس الآخرين، غافلاً أو متناسياً حقيقة تاريخية جلية تؤكد بما لا يقبل الشكَّ أن البرامكة كانوا أخطر من الذين تتبعوا آثارهم من الفرس، لأنهم أرسوا الأسس الصلبة للتآمر الفارسي وأحيوا في قومهم الأمل بقوة، يقول: "في ذلك الصراع العنيف في سبيل السلطان في دولة الإسلام كان المأمون هو الذي انتصر على أخيه الأمين وأصبح أمير المؤمنين. لكنه بعد النصر تبين أنه هو ليس المنتصر الحقيقي؛ لأن الذي انتصر بالفعل هو الفضل بن سهل، وأنه إذا كان قد أَصبح أمير المؤمنين، فهناك من يمكن أن يسمى أمير أمير المؤمنين، وهو الفضل بن سهل، وقد كان فارسياً متعصباً ورجلاً شريراً خبيثاً لا يخفى شره أو خبثه – كما رأينا – وكان فيما بينه وبين نفسه يرى أن الفرس أفضل وأحق بالخلافة من العرب"(10)

وهذا وإن كان جانبا من الحقيقة التاريخية لكنه يخفي خلفه جوانب أخرى أهم وأجدر بالاستيعاب من قبل قراء التاريخ، فالمأمون لم تكن علاقته بالفرس حديثة عهد أو وليدة التنافس على الخلافة بينه وبين أخيه محمد الأمين، بل نسيج حاكه الفرس بدقة وعناية من قبل أن يولد المأمون نفسه، وهو ليس إلا وليد أهدافٍ توخاها الفرس حينما راحوا يعرضون الحسان الفاتنات من بنات الفرس على غرائز هارون الرشيد كي تحض به إحداهن، وقد حضت مراجل بما أرادوا فكان المأمون، أما الفضل بن سهل فلم يكن يرى أحقية الفرس بسيادة العرب خفية، بينه وبين نفسه، كما يتصور الباحث في تنقية الأصول، بل كان يعمل واضح الأهداف وسط قومه، وقد سبقه إلى ذلك أغلب دعاة العباسيين من الفرس خلال العهد الأموي وبداية العهد العباسي، كما سيتبين في الفصول اللاحقة، فكان سلوكه حلقة من ضمن سلسلة متصلة الحلقات منذ عام 16هـ وحتى ذلك الحين وإلى يومنا هذا، تنظيمات مختلفة الأشكال والألوان، اتخذت التشيع لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من بين ما اتخذت من أستار، ولم يكن الفضل وطاهر إلا بعض أدوات ذلك التنظيم الواسع الكبير، ولم تكن الإنجازات التي تحققت على يديهما إلا بفضل ما سبقها، وعلى الأخص الجهود التي بذلها البرامكة قبل نكبتهم من قبل هارون الرشيد، فقد أسس البرامكة لمن تبعهم قاعدة متكاملة لانطلاق الدولة القومية الفارسية بكل قيمها ونهجها السابق للإسلام، بما فيها القوة العسكرية المعدة إعداداً يتناسب مع مهمة كهذه، مسلحة بفكر قومي تعصبي واضح.

فكيف كان علاج المأمون الناجع كما توهمه الباحث؟ استبدل الفضل بن سهل بالحسن بن سهل وتزوج من ابنته بوران وأمهرها ألف درَّة في صينية من ذهب، والأستاذ المتصدي للتنقية كان يرى في اختيار المأمون للحسن بن سهل بدلاً من ابن عمه الفضل خياراً صائباً لأنه كان أعقل وأذكى وأكثر إنسانية، لكن فاته أن هذا الحسن بن سهل الفارسي حقق ما لم يستطع الفضل تحقيقه حينما أمكن الفرس من استعادة إمبراطوريتهم بشكل من أشكالها واستقلالها عن دولة الخلافة من خلال تعيينه لطاهر بن الحسين أميرا على بلاد فارس والعراق الذي أعلن بدوره استقلال بلاد فارس وقطع الخطبة للخليفة المأمون نفسه فيما بعد.

ولعل الأغرب في هذه التنقية أن الاستاذ الباحث في التنقية كما لو أنه يخلط السكر بالملح، ولا ضير فكلاهما أبيض بلوري، يعتقد أن فتنة المأمون والأمين كان سببها والدهما هارون الرشيد بنكبته للبرامكة، ويعتبرها خطأً فاحشاً، معتقداً خلافاً لكل الحقائق التاريخية أن البرامكة استعربوا واستبدلوا ولاءهم للفرس بتولي العروبة والإسلام، فيقول: "وبعد سنوات قلائل في الخلافة أحس المأمون أن هزيمة أخيه الأمين بدأت من أيام أبيهما هارون الرشيد، فإن الرشيد أخطأ خطأ فاحشاً في حق الدولة العباسية عندما قضى على البرامكة؛ لأن البرامكة كانوا فرساً في الأصل، ولكنهم استعربوا فعلاً، وأصبحوا يتصرفون تصرف عرب، ومهما بلغ من أمر يحيى البرمكي فما كان ليخطر بباله أن يضع نفسه فوق الرشيد، أما الفضل بن سهل فكان يرى أنه أفضل من المأمون"(11)

فهل كان هذا الباحث المختص غافلا عن أحداث الأعوام 178 - 180هـ والجيش الذي شكله الفضل بن يحيى البرمكي في خراسان من الفرس تعدى حجمه النصف مليون مقاتل، والأموال المهولة التي أنفقها على إعداده وتجهيزه، الجيش الذي سقطت بغداد تحت أقدام حرس قائده الفضل البرمكي "الفرقة الكرمينية"حين عودته إلى بغداد والذي لم ينج الخليفة العباسي من شره إلا بهروبه إلى الرقة، ثم كيف غاب عن وعي الباحث تزامن الانتفاضات التي دُبِّرت في الجهة الغربية من دولة الخلافة على غير عادتها خلال تلك الفترة على أمل أن يكتمل تشكيل ذلك الجيش بعيداً عن رقابة الخليفة ومن ثم اضطراره للاستنجاد بهذا الجيش الفارسي بذريعة إخماد الفتن في المناطق الغربية كي يتحرك نحو بغداد وينقضّ على الخلافة نهائياً، والتي كانت أولى فصول تلك المؤامرة استعداء الخليفة على القائد العربي الكبير يزيد بن مزيد الشيباني ومن ثم النجاح في إبعاده، لأنه كان عربياً متمسكاً بخلقه، يستشعر خيوط المؤامرة الفارسية فيتصدى لها بشجاعته الفريدة؟

رجل يطالب بتنقية أصول التاريخ ولا يدقق في معلوماته حتى أنه ليخلط بين الأحداث ويُخطئ في حقائق تاريخية مشهورة ومعروفة جداً، يتهم السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وهو لا يدري أكان الزبير بن العوام رضي الله عنه وهو أحد أهل الشورى وابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم عشرة رجال لا أكثر، أهو أبن أختها أم زوج أختها، وأختها أسماء ذات النطاقين لا تُجهل مثلها لسابقتها ودورها المعروف، فأنظر ما يقول: "وقد أصبحت الحيرة فتنة عندما لحقت السيدة عائشة بطلحة والزبير، وقالت: إنها تطالب بدم عثمان، مع أنها لو قابلت عليا وطالبته بدم عثمان لكان أوقع، ولكنها لم تكن تحب عليا منذ وقف منها الموقف المعروف في حادث الإفك، وهي في غضبها على عليّ كانت ترى أن الزبير بن العوام ابن أختها كان أحق بالخلافة من عليّ" (12) ومع هذا اللبس والخلط تراه يسلِّم بما زُوِّر عن حادثة الإفك بقصد إيجاد سبب لما أسموه بالعداء بين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عمه وصهره، لا يجيد هو وغيره الربط بين الفتنة التي نهض بها رأس النفاق عبدالله بن أُبي ابن سلول حين قال "لأن رجعنا إلى المدينة سيخرجن الأعزّ منها الأذّل" وبين افترائه هو ومن تابعه وانخدع به لقصة الإفك، حين عادوا للمدينة، والتي أرادوا من خلالها الطعن بشرف النبي صلى الله عليه وسلم بقصد حرف الأنظار عن الفتنة التي فضحها الله تعالى بالآيات تصديقاً لأذن ابن أبي الأرقم، فكليهما حدث في وقت واحد، خلال العودة من غزوة بني المصطلق عام 6هـ. وهل يصح القول أن علي يؤذي رسول الله في زوجه، وهو أقرب الناس إليه ويعلم بحبه لها، ولا يصح القول أن حادثة الإفك فرية أراد بها المنافقون وعلى رأسهم ابن سلول التغطية على فعلتهم الشنيعة! والإمام علي أجلُّ من أن تنطلي عليه ألاعيب المنافقين لكي يون من الشاكين بزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أقرب الناس إليها، ويعلم عنها ما لا يعلمه غيره، ولو كان يُنكر عليها سلوكاً لما تأخر حتى يدلّه المنافقين. وذلك الذي لم يقل به أحد، حسب علمنا.

كما يحيد المؤرخ عن المشهور المعلن والدافع المصرح به لخروج أصحاب الجمل الذي كان يستهدف أصلا رواد الفتنة وقادتها وليس خليفة المسلمين علي بن أبي طالب عليه السلام، والأدوار التي لعبها أتباع ابن سبأ اليهودي القائد العام لتلك الفتنة في إفشال كل صيغ التفاهم التي كادت تنهي المواجهة وتصحح المسار وتوحد جهود الأمة بسفارة القعقاع بن عمرو التميمي، فيصور الأمر على أساس أنه رفض لخلافته بدعوى رؤية أم المؤمنين بأن (ابن أختها) أحق بالخلافة من عليّ، فأي تنقية هذه؟

وهي لم تكن كذلك على الإطلاق، أو كما وصفها ساسة التشيع الفارسي وابتدعوا لها الأكاذيب وحشروها في بطون كتب السير والتاريخ على أنها حقائق، فاغتيال الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يكن مجرد اغتيال أو انتقام أو تمرد على رأس القرار والسلطة، بل كانت مؤامرة؛ كبيرة في حجمها، واسعة في أطرافها، خطيرة في أهدافها، أُريد من خلالها الإطاحة بالدولة العربية الإسلامية كلياً، فرواد الفتنة لو كانت أهدافهم تتوقف عند اغتيال الخليفة لما احتلوا عاصمة الخلافة وفرضوا عليها وعلى أهلها إرادتهم، وصادروا قرارهم، بل لعادوا إلى ديارهم فقد حققوا مبتغاهم، لكنهم في الحقيقة كانوا أداة مؤامرة واسعة ومتعددة الأطراف، أفشلتها إرادة الإيمان في نفوس أهل المدينة، لأنهم كانوا في الأساس يخططون لإشعال هرب أهلية بين أهل المدينة، حينما وزع ابن سبأ الولاءات بين الأمصار بطريقة لا تُفضي إلاّ للحرب الأهلية، فليس من شك أن مكونات التمرد كانت تنقسم بين أهل الكوفة والبصرة ومصر، وليس من شك أنهم جميعاً تنظيمات أوجدها عبدالله بن سبأ، بدأها بالبصرة ثم الكوفة وختمها بمصر لأن مساعيه في الشام أفشلها التحسب المستمد من الخلفية السياسية التي تركها الروم وحكمهم الملكي المباشر على سلوك أهل الشام - على خلاف العراق الذي لم يكن الحكم الفارسي مباشراً كليا - والتي انتقلت مخلفاتها لتحيط بإمارة الشام وتشكل جوانب مهمة من نظامها السياسي. والمنهج الذي مارسه هذا اليهودي في الكسب في كل هذه الأمصار كان منهجاً واحداً لم يتغير فيه شيء، لكنه تعمد أن يزرع في نفوس أتباعه في كل مصر من الأمصار هدف مختلف عن غيره من الأمصار، في جانب واحد فقط، وهو تسمية ولي الأمر البديل للخليفة المراد تصفيته جسدياً، فزرع في أهل البصرة الانحياز لطلحة بن عبيدالله، وزرع في الكوفة انحياز أهلها للزبير بن العوام، فيما زرع في مصر الانحياز لعلي بن أبي طالب، وهذا كان الأساس الذي علَّقت عليه المؤامرة بكل أطرافها الخفية آمالها في القضاء على أصحاب رسول الله برمتهم من خلال هذا التقسيم الخبيث، فكان من المفروض أن تشتعل شرارة المعارك بين علي ومن سيتبعه وطلحة ومن سيتبعه والزبير ومن سيتبعه في المدينة المنورة وبعد استشهاد الخليفة عثمان بن عفان مباشرة وفقاً لذلك المخطط الرهيب، لكن أهل المدينة خيبوا آمالهم بوعيهم وإيمانهم، فكانت الجمل وصفين والنهروان بدائل لا بدَّ منها، كي لا تتوحد جهود المسلمين خلف رجلٍ واحد فيقتص من رواد الفتنة وعدتها، ولو كانت المتاعب التي وضعها رواد الفتنة في طريق الإمام علي بن أبي طالب خلال فترة خلافته، والتي أفقدته قدرة التأثير والانجاز واستعادة وحدة الأمة ومواصلة المسيرة، بمفردها دليلاً على ما قلناه آنفاً لكفت ووفت، لكن الأدلة كثيرة، وسنأتي عليها لاحقاً.

إن المنهج السليم الذي يقودنا إلى حقائق الأحداث التاريخية وينفي عنها التزوير والتضليل هو العودة إلى الأساس الذي ما كانت الجمل وصفين وقبلهما فتنة اغتيال الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه إلا لبنات رُصِفت فوقه بخبرة بناءٍ ماهرٍ حتى تكامل بناء هذه القلعة الحصينة بعد قرون طويلة من الزمن، يتعهدها بُنَاتها بالرعاية والصبر الطويل، إنها القلعة التي أراد لها الشيطان أن يتحصن بها جنده داخل أسوار العرب المسلمين وليس خارجا عنها.

فكم من كلمة حقٍّ أُريد بها باطل؟ وكم من موقف اتخذه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيرة تلاميذه بقصد منع الانحراف والمحافظة على سلامة المسيرة اتخذته رؤوس الأفعى سبَّة وحرفته عن مقاصده إلى حيث تبغي وتريد؟

كان الصحابي الجليل الشديد في الحقِّ أبو ذرٍّ الغفاري قد وطئ أرض الشام عام 30 هـ فهاله الواقع المختلف كلياً عن حياة الصحراء والأعراب، والذي لم يكن يرى سواه من قبل، يختزن في ذاكرته ووعيه شيئاً لم يألفه في الإسلام من قبل وكأنه غريب عنه، فالشام بلد الخيرات والطبيعة الجميلة والمياه الوفيرة العذبة والمجتمع المتأثر قسراً بثقافة الروم الغزاة وسلوكهم، وإلا لما تمسك بها ولاتها كثيراً، ولما تمسك أهلها بهم أكثر وصاغوا معهم مفرداتٍ للانحراف دون أن يعلموا. وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ العراق والشام ومصر كانت مواطن مهمة للمؤامرة في مراحلها الأولى لوفرة مواردها بما يجعل أهلها أكثر التصاقاً بالدنيا من غيرهم، وكلُّ هذا كان غير متيسر في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت مواقفه تجاه الإسلام والمسلمين في الشام منسجمة تماماً مع هذه الرؤية ولا تخرج عن سياقاتها، لكن الذي أزَّمها وحولها إلى معارضة هدامة شرسة لا تبغي معالجة المشكلة إنما تُفاقمها وتوسع أثارها هو الاستغلال البشع لليهود بشخص ابن سبأ ومن وقف خلفه متستراً بخلائف الروم النصارى واليهود ومن التحق بهم من مجوس الفرس يردفهم ويسندهم أهل الردَّة من العرب أنفسهم. فيما كان الأسلوب الذي مارسه الصحابي أبو ذر الغفاري هو الأخر عاملاً مساعداً لجحافل التآمر كي تحقق أغراضها، فهو رضي الله عنه لم يكن يملك من خبرات السياسة ما يؤهله للنجاح في أداء واجبه ودوره ذاك، حيث توجه بدعواته للإصلاح نحو الشعب مباشرة بما يحمل على كاهله من أمراض متفشية بين صفوفه من رعاع وأهل أهواء وردة جاهلية وممن لم تتطهر أرواحهم بعد لتأخذ موقعها بين العقل والغرائز فيقر الإيمان في أعماق نفوسها، الأمر الذي حول دعوته إلى بؤرة للتحريض قابلة للاستغلال المعاكس تماماً، فيما كان يُفترض به أن يتوجه بدعوته إلى الأمراء والقادة وأصحاب الرأي، فاستغلت نواياه الصادقة بالإصلاح وحرصه الشديد على الإسلام وشريعته خشية التشويه كأساس لفتنة دبَّت بين صفوف الرعية وانتشرت كالنار في الهشيم، مما أوجب على معاوية بن أبي سفيان وغيره التصدي لها بشخص أبي ذر الغفاري على أنه هو الذي أرادها لتكون هكذا، ولم يكن كذلك، ولم يستوعبوا أن سكوته أو إسكاته لن ينهي أو يخفي آثارها، كما لم يستوعبوا من قبل أسباب ودوافع شدة وصرامة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تصديه لمثل هذه التجاوزات واجتثاث أسبابها، ذلك لأن الحاشية التي تشكلت سريعاً حول إمارة الشام كانت تنقل إليها دون وعي منها آثار الثقافة السلوكية التي رسخها الاحتلال الروماني في وعيهم وسلوكهم، والتي كانت ترتكز أساساً على الأوضاع المميزة للملوك وأمراء جيوشهم وامتيازاتهم التي تُبيح لهم امتلاك كل شيء وفعل أي شيء دون مسائلة أو حساب، ولعدم رسوخ المنهج السلوكي الجديد في وعيهم، ولأن وعيهم السياسي لم يكن ذلك الحين كافياً ليستوعبوا حقيقة أن أخطر أعداء الإسلام ليس الذين يجردون السيوف على حدود الدولة وثغورها أو الذين ين













 الموضوع الأصلي : المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع //   المصدر : منــــ اســــ فيب ـــلام ـتديـــات // الكاتب: medohamo15
ضع تعليق بحسابك فى الفيس بوك









اهلا وسهلا بكم على منـــ اســـــ فيب ـــلام ـــتـــديــات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع

استعرض الموضوع التالي استعرض الموضوع السابق الرجوع الى أعلى الصفحة

مواضيع مماثلة

-
» اليهود والإسلام.............
» حقائق علمية عن البصل
» مفارقات تاريخية مذهلة !
» معلومات تاريخية مختصرة
» نبذة تاريخية عن المدرسة المستنصرية و مكتبتها


صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
○◘♦منتديات اسلام فيب♦◘○ :: ۩۞۩ :: المنتديات الثقافية:: ۩۞۩ :: تاريخ الدول العربية والشعوب والحضارات الإنسانية-

المؤامرة على الأمة والإسلام حقيقة أم أوهام دراسة علمية تاريخية لمؤامرة التشيع Cron